شراكة استراتيجية تهدي اللاذقية رصيفاً جديداً

الاتفاق الذي أُعلن عنه يمثل أكثر من مجرد عقد استثماري، فهو يشير إلى تحول جذري في السياسة الاقتصادية السورية.
المرحلة الثانية من المشروع لا تعني فقط بناء رصيف جديد، بل هي إعلان عملي عن عودة سوريا إلى الخريطة البحرية الدولية. الرقم الذي تم الاتفاق عليه - 230 مليون يورو على مدى 30 عاماً - ليس مجرد قيمة مالية، بل هو تصويت بالثقة على مستقبل الاقتصاد السوري.
لكن اللافت في الاتفاقية هو تلك البنود التي تضمنتها. بند التحكيم الدولي عبر غرفة التجارة الدولية في لوندرا لم يوفر غطاءً قانونياً للاستثمار الفرنسي فحسب، بل أرسل رسالة مطمئنة للمستثمرين الأجانب بأن سوريا الجديدة جادة في تبسيط بيئة الأعمال وحماية الاستثمارات.
التوجه لاعتماد موانئ جافة وتطوير آليات نقل البضائع عبر مطار دمشق الدولي يكشف عن رؤية أعمق. فسوريا لا تريد فقط إعادة بناء ما دمرته الحرب، بل تسعى لخلق نظام لوجستي متكامل يربط البحر بالبر والجو.
الخلفية، ثمة رسالة سياسية واضحة. اختيار شركة فرنسية لهذا المشروع العملاق ليس صدفة. فهو يؤشر إلى توجه سوري لإعادة بناء الجسور مع أوروبا، متجاوزاً الحصار الأمريكي الذي استمر لسنوات. وباريس، من جانبها، وجدت في سوريا سوقاً واعداً وفرصة لتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
المشروع لن يخلو من التحديات. فميناء اللاذقية يحتاج لأكثر من مجرد رصيف جديد. البنية التحتية المتضررة، والقيود المالية، والبيئة التشريعية التي لا تزال بحاجة للتطوير، كلها عقبات في طريق النجاح. لكن الاتفاقية تمثل إشارة قوية على أن سوريا مصممة على العودة إلى خريطة التجارة العالمية.
الرسالة التي تبعثها دمشق من خلال هذا الاتفاق واضحة: نحن جاهزون للشراكة مع العالم، ونؤمن بأن اقتصادنا قادر على تجاوز آثار الحرب.