صور الأقمار الصناعية تكشف تطورات جديدة في سد النهضة الإثيوبي وتُعيد إثارة مخاوف الفيضانات

كشفت صور الأقمار الصناعية عن تطورات جديدة في تشغيل سد النهضة الإثيوبي، وسط اتهامات متبادلة بين أديس أبابا من جهة، والخرطوم والقاهرة من جهة أخرى، حول تسبب الإدارة الإثيوبية للسد في فيضانات حديثة أثرت على السودان ومصر. وأعاد الخبراء تحذيراتهم من مخاطر الملء الأحادي على الأمن المادي والمائي لدول المصب.
وكشف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عن تحليل للصور الفضائية أظهر غلق جميع بوابات المفيض في السد، مما أدى إلى انخفاض الإيراد اليومي من المياه إلى نحو 50 مليون متر مكعب.
وقال شراقي في تصريحات صحفية: "وجدت دوامات خفيفة لا ترقى لتشغيل توربين واحد، ما يعني أن هناك جزءاً من مياه الأمطار الحالية والتي تصل إلى 250 مليون م3 يعاد تخزينه".
وحذر أستاذ الموارد المائية من استمرار "التخبط في إدارة تشغيل السد"، مشيراً إلى أن "موقف التوربينات من التشغيل مازال غامضاً". وأضاف: "السودان يدفع ثمن أخطاء التشغيل"، مطالباً "بتصريف كمية الأمطار الحالية بالكامل سواء من خلال التوربينات أو من فتح بوابة من المفيض العلوي". كما حذر من أن "ملء الخزان عن آخره نهاية الشهر الحالي ما يثير مخاوف جديدة من حدوث فيضانات أخرى".
من جانبه، سلط الدكتور محمد نصر علام، وزير الري المصري الأسبق، الضوء على المخاطر الاستراتيجية للسد، ملقياً باللوم على الرفض الإثيوبي لتوقيع اتفاقية شاملة. وقال علام: "إثيوبيا ترفض توقيع اتفاقية لملء وتشغيل السد الإثيوبي بما يحقق الأهداف الإثيوبية من تنمية وتوليد كهرباء من جانب، ويحفظ الأمن المائي لدولتي المصب من جانب آخر".
وأوضح أن "تخوف مصر الأكبر من تداعيات السد سيكون خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، وذلك بسبب احتفاظ إثيوبيا بمخزون مائي كبير". مشيراً إلى أن "إثيوبيا تفضل صرف كميات محدودة من مياه السد والاحتفاظ بمخزون مائي كبير لتعظيم ارتفاع العمود المائي المخزن في السد بهدف تعظيم إنتاج الكهرباء في فترة الجفاف، وهو ما قد يضر بالأمن المائي المصري".
ارتبطت التطورات الأخيرة بموجة فيضانات شهدتها المنطقة. ووفقاً للدكتور محمد نصر علام، فإن الإدارة الإثيوبية للسد بعد افتتاحه ساهمت في تفاقم المشكلة. وقال: "ما حدث قبل وبعد افتتاح السد، من صرف معدلات بسيطة من المياه خلال آب وكذلك بداية أيلول، ثم ملء سعة السد المخصصة للفيضانات الطارئة، واستخدام مفيض الطوارئ لتفريغ المياه في إطار استعراضي لإرضاء الداخل الإثيوبي كان مشكلة".
وأضاف: "صادف ذلك حدوث معدلات عالية من الأمطار على النيل الأزرق، وزيادة إيراد النهر عن معدلاته الطبيعية، خصوصاً أن السد ممتلئ بالمياه، مما اضطرت معه إثيوبيا لتصريف كل كميات المياه الواردة للسد والتي وصلت حوالي 750 مليون متر مكعب يومياً، وهو ما تسبب في الفيضانات التي عانت منها السودان وتسبب بغرق أراضيه الزراعية واتجاه المياه إلى مصر".
وكشف عن الإجراءات الطارئة التي اتخذتها مصر لمواجهة هذه الموجة، قائلاً: "إزاء ذلك ولمواجهة واستيعاب المياه القادمة من الفيضانات، قامت مصر بفتح مفيض توشكي لصرف معظم المياه، مما أحدث أضراراً ببعض الزراعات القائمة وانطلاق المياه الزائدة في طريقها لبعض الواحات". موضحاً أن "مصر قامت بصرف القليل المتبقي من خلال فتحات السد العالي، وكانت هناك بعض الخسائر الناتجة عن غمر حوالي 1000 فدان من أراضي طرح النهر المنخفضة نسبياً عن منسوب جسر النهر".
وتعرض السودان قبل أيام لموجة فيضانات هددت السكان والمزارعين، مما دفع وزارة الري والموارد المائية السودانية إلى تحذير المواطنين المقيمين على ضفاف النيل وضرورة "اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم".
وفي مصر، تأثرت قرية دلهمو بمحافظة المنوفية بالغرق، وأعلنت 4 محافظات أخرى حالة الطوارئ تحسباً لارتفاع منسوب المياه.
علقت وزارة الموارد المائية والري المصرية على الأحداث، واصفة الإجراءات الإثيوبية بـ "التصرفات الأحادية المتهورة في إدارة سدها غير الشرعي المخالف للقانون الدولي". وأضافت الوزارة في بيان أن "هذه الممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصب".
تشير التقديرات، وفقاً للدكتور عباس شراقي، إلى أن "معدل الأمطار في حوض النيل الأزرق يتناقص تدريجياً، وسوف يصل إلى 150 مليون م3 بنهاية تشرين الأول، و50 مليون م3 نهاية تشرين الثاني". مما يضع مشكلة إدارة السد في مرحلة جديدة، بين استمرار الملء وتصريف المياه، وسط تحذيرات من تداعيات تستمر لسنوات مقبلة.