الاتحاد الأوروبي يواجه هدر الطعام والأزياء السريعة بخطة بيئية حاسمة
20 سبتمبر 2025121 مشاهدةوقت القراءة: 4 دقيقة

حجم الخط:
16
في خطوة حاسمة تهدف إلى تقليص الأثر البيئي المتزايد، أقرّ البرلمان الأوروبي حزمة قوانين جديدة تُلزم دول الاتحاد بخفض كبير في هدر الطعام والتصدي لممارسات "الموضة السريعة" المدمرة بيئياً، مع تعزيز أنظمة إعادة تدوير المنسوجات.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن خطة الاتحاد الطموحة لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية بحلول عام 2030، وسط تحديات بنيوية تواجه عدداً من الدول الأعضاء.
* ما الجديد في القوانين الأوروبية ؟
بموجب القواعد الجديدة، يُلزم الاتحاد الأوروبي دوله الأعضاء بخفض هدر الطعام بنسبة 30% في قطاعات الأسر وتجار التجزئة والمطاعم، مقارنة بمتوسط مستويات الهدر بين عامي 2021 و 2023، وذلك بحلول عام 2030.
كما يتعين على الدول تقليص 10% من النفايات الناتجة عن معالجة وتصنيع الأغذية.
أما في ما يتعلق بقطاع الأزياء، فقد أقرّت القوانين إنشاء أنظمة مسؤولية ممتدة للمنتج (EPR)، تفرض على مصنّعي الملابس والمنسوجات تمويل عمليات جمع وفرز وإعادة تدوير النفايات النسيجية، وذلك في غضون 30 شهراً من دخول التوجيه حيز التنفيذ.
وبحسب الاتحاد الأوروبي، يهدر المواطن الأوروبي الواحد سنوياً 130 كيلوغراماً من الطعام، بإجمالي نحو 60 مليون طن من المواد الغذائية المهدورة سنوياً.
وفي قطاع الملابس، تنتج أوروبا 12.6 مليون طن من نفايات المنسوجات كل عام، ولا يُعاد تدوير سوى 1% فقط من هذه الكمية.
* الدول الأوروبية تتخذ إجراءات .. ولكن التحديات قائمة
بولندا من بين الدول التي تحركت مبكراً ؛ إذ ألزمت كبار تجار التجزئة بالتبرع بالأغذية غير المباعة للمنظمات الخيرية، وإطلاق حملات توعية عامة ضد هدر الطعام، إلى جانب رفع تقارير دورية عن جهودهم.
وتلعب شبكات بنوك الطعام دوراً محورياً في إنقاذ الأطعمة قصيرة الصلاحية أو ذات العبوات التالفة وتوزيعها على المحتاجين.
أما إسبانيا فقد سنت هذا العام قانوناً يستهدف خفض هدر الطعام بنسبة 50% في قطاع التجزئة والاستهلاك، و 20% عبر سلاسل التوريد بحلول 2030.
وفي عام 2024 وحده، تم الحيلولة دون التخلص من 51.54 مليون طن من الأغذية والمشروبات، رغم أن نسبة الانخفاض الإجمالية لم تتجاوز 4.4%، ما أبقى حجم الهدر عند 15.125 مليون طن.
وفي بلغاريا، تشير الأرقام إلى أن المواطن العادي تخلص من 93 كيلوغراماً من الطعام في 2023، أي 614 ألف طن سنوياً على مستوى البلاد.
كما يتم التخلص من أكثر من 100 ألف طن من الملابس سنوياً، بينما لا يُجمع منها بشكل منفصل سوى 7 آلاف طن فقط، بسبب نقص نظام الاسترداد الوطني الإلزامي، واعتماد الجمع على الوعي الشعبي والمبادرات الطوعية فقط.
* أزمات وتخبط في السويد و رومانيا
القوانين الأوروبية الجديدة أثارت جدلاً في السويد، حيث تم نقلها مباشرة إلى التشريعات الوطنية دون توضيح الجهة المسؤولة عن النفايات النسيجية.
ما أدى إلى إغراق محطات إعادة التدوير ومتاجر السلع المستعملة بكميات ضخمة من الملابس غير القابلة للاستخدام، والتي كانت تُحرق سابقاً.
و وصفت آنا_كارين جريبوال من منظمة النفايات "أففال سفيرج" الوضع بقولها : "القوانين جاءت بالترتيب الخاطئ".
ونتيجة لذلك، قررت الحكومة تعليق التشريع مؤقتاً اعتباراً من 1 أكتوبر 2025، ما يتيح العودة إلى التخلص من الملابس غير القابلة للاستخدام.
في المقابل، تواجه رومانيا تحدياً أكبر بسبب غياب البنية التحتية لإعادة تدوير الملابس. وعلى الرغم من حصولها على تمويل من الاتحاد الأوروبي لبناء 26 منشأة جديدة بحلول 2026، إلا أن البلاد قد تضطر حتى ذلك الحين إلى تصدير النفايات أو دفنها دون فرز، ما يزيد الكلفة والأثر البيئي.
كما أن ضريبة الطمر المنخفضة جداً، 50 يورو فقط للطن، تُفاقم المشكلة، مقارنة بـ 500 يورو في دول أخرى.
* دول أخرى تتحرك : إيطاليا وإسبانيا مثالاً
إيطاليا بادرت بإطلاق نظام جمع منفصل للمنسوجات منذ عام 2022.
و وفقاً للمعهد الإيطالي للبحوث وحماية البيئة، ارتفعت نسبة الجمع المنفصل بين 2019 و 2023 بنسبة 9% فقط، من 157.7 ألف طن إلى 171.6 ألف طن.
أما إسبانيا فقدمت في عام 2024 مسودة مرسوم ملكي يحمل المنتجين المسؤولية عن تمويل وتنظيم جمع ومعالجة نفايات الملابس، في محاولة لوقف تصاعد الأزمة.
* الخطوة التالية : نشر القوانين وتطبيقها الفعلي
من المنتظر أن يتم توقيع القوانين من قبل البرلمان والدول الأعضاء خلال الأسابيع القادمة، قبل نشرها في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي.
وستبدأ المهلة القانونية التي تمتد لـ 30 شهراً، قبل دخول التوجيه حيز التنفيذ الكامل، ما يمنح الدول وقتاً لترتيب أوضاعها وبناء البنية التحتية اللازمة.
في غضون ذلك، يدعو نشطاء حماية البيئة إلى تغيير عادات المستهلكين، حيث تنصح بياتريس رينديفال رئيسة جمعية الحفاظ على الطبيعة في السويد، بعدم شراء أكثر من 5 قطع ملابس جديدة سنوياً، وتشجع على فعاليات تبادل الملابس كبديل مستدام.
* "الموضة السريعة" تحت مجهر الاتحاد الأوروبي
ضمن جهود إضافية للحد من الواردات الرخيصة التي تغذي "الموضة السريعة"، والتي غالباً ما يتم تصنيعها في الصين، اقترح الاتحاد الأوروبي فرض رسوم استيراد ثابتة قدرها 2 يورو على الطرود الصغيرة.
ويُذكر أن الاتحاد استقبل العام الماضي نحو 4.6 مليار طرد _أي أكثر من 145 طرداً في الثانية الواحدة_ وكان 90% منها من الصين.
وهو ما دفع اتحادات صناعة الأقمشة والملابس الأوروبية إلى إصدار بيان مشترك، نددت فيه بالوضع و دعت الاتحاد لبذل المزيد من الجهد لكبح جماح هذه الظاهرة.
تمثل هذه القوانين الجديدة خطوة حاسمة نحو اقتصاد أكثر استدامة في أوروبا، لكنها تُسلّط الضوء أيضاً على تفاوت جاهزية الدول الأعضاء من حيث البنية التحتية والإجراءات العملية.
ويبقى العامل الحاسم هو تعاون المستهلكين والمصنعين والحكومات لضمان نجاح هذه المبادرات الطموحة.