رفع العقوبات الأمريكية تحول استراتيجي في مهب التحولات الإقليمية

25 أغسطس 202526 مشاهدةوقت القراءة: 2 دقيقة
رفع العقوبات الأمريكية تحول استراتيجي في مهب التحولات الإقليمية
بعد أكثر من عقدين من الحصار الاقتصادي، تشهد سوريا منعطفاً تاريخياً بإعلان الولايات المتحدة إلغاء العقوبات المفروضة منذ عام 2004. هذا القرار لم يولد من فراغ، بل جاء تتويجاً لتحولات جيوسياسية عميقة أعقبت سقوط نظام الأسد، وبروز حكومة جديدة حاولت تقديم نفسها كشريك مختلف للغرب.
الرحلة بدأت في مايو 2004 عندما وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأمر التنفيذي 13338، الذي مُوِّلَ بذرائع دعم الإرهاب وملف الأسلحة الكيميائية. على مدى السنوات، تحولت هذه العقوبات إلى شبكة معقدة شملت قانون قيصر عام 2019، الذي أحكم الخناق على الاقتصاد السوري وعزله عن العالم.
اليوم، يوقع الرئيس الأمريكي الأمر 14312 ليس كمنحة، بل كاعتراف بواقع جديد. سقوط نظام الأسد، وصعود قيادة جديدة، وتغير أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة، كلها عوامل دفعت واشنطن إلى مراجعة حساباتها. لكن القرار يحمل في طياته حذراً واضحاً - فالعقوبات لم تُرفع عن الجميع. بقيادة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، احتفظت الولايات المتحدة بسلاح المساءلة ضد رموز النظام السابق ومنتهكي حقوق الإنسان ومهربي المخدرات، في إشارة إلى أن الغرب لن يتنازل عن ورقة الضغط الأخلاقي.
للاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب والعقوبات، يظهر هذا القانون كمنفذ أكسجين. انفتاح الأبواب المصرفية الدولية، عودة التحويلات المالية، وبداية تدفق الاستثمارات - خاصة من الخليج - كلها مؤشرات على إمكانية ولادة اقتصادية جديدة. لكن الطريق لن يكون مفروشاً بالورود. فسوريا ما زالت تعاني من بنى تحتية مدمرة، وفساد مستشرٍ، ومنافسة إقليمية حادة على صفقات إعادة الإعمار.
التحدي الأكبر أمام الحكومة السورية الجديدة سيتمثل في تحويل هذه الفرصة الذهبية إلى واقع ملموس. هل ستتمكن من إقناع المستثمرين الأجانب بجدية الإصلاحات؟ هل ستنجح في موازنة العلاقات بين القوى الإقليمية المتصارعة على النفوذ؟
الردود الإقليمية جاءت متباينة. بين ترحيب خليجي واضح، وتردد أوروبي ملحوظ، وحذر إيراني من "هيمنة جديدة"، يبدو أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من الصراع على النفوذ، لكن هذه المرة بالوسائل الاقتصادية بدلاً من السلاح.
هذا القرار ليس نهاية المطاف، بل بداية فصل جديد من فصول الأزمة السورية. إنه تحول من حرب البنادق إلى حرب المصالح، من ساحة معارك عسكرية إلى سوق مفتوحة للاستثمارات. النجاح أو الفشل لن يُقاس برفع العقوبات، بل بقدرة السوريين على تحويل هذه الفرصة إلى سلام دائم وازدهار حقيقي.

مشاركة الخبر