الصين تواجه تحديات في تعزيز الائتمان الاستهلاكي بسبب ارتفاع القروض المتعثرة وضعف الطلب

تعاني البنوك الصينية من صعوبات في تنفيذ توجيهات الحكومة الرامية إلى زيادة الإقراض الاستهلاكي، في ظل ارتفاع حالات التخلف عن سداد القروض الشخصية وضعف الطلب على الاقتراض، وفقاً لمصادر مصرفية وبيانات رسمية.
فقد أصدرت الجهات التنظيمية الصينية منذ آذار تعليمات للبنوك بتحفيز الائتمان الاستهلاكي عبر تقديم قروض ميسرة بأسعار فائدة منخفضة، في إطار خطط لتنشيط الاستهلاك المحلي وتخفيف آثار التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. ورداً على ذلك، خفضت البنوك أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية بلغت أقل من 3%، قبل أن تعيد رفعها لاحقاً بسبب مخاوف من تراجع هوامش الأرباح.
أفاد مسؤولون مصرفيون ومديرو قروض لـ "رويترز" بأن البنوك تواجه تحديات مزدوجة تتمثل في انخفاض رغبة الأسر في الاقتراض وزيادة معدلات التعثر في السداد. وقال مدير فرع في أحد البنوك المملوكة للدولة، رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموضوع: "من الصعب جداً العثور على مقترضين للقروض الاستهلاكية"، مشيراً إلى أن "البنوك عالقة بين تحقيق أهداف الإقراض والسيطرة على القروض المتعثرة".
وأضاف أن "ارتفاع معدلات التخلف عن السداد يؤدي إلى معاقبة موظفي الفروع، ما يدفع العديد من موظفي القروض إلى الاقتراض من بنوك بعضهم البعض لتلبية حصص الإقراض".
وتشير بيانات البنك المركزي إلى تباطؤ نمو الائتمان الاستهلاكي إلى 6.1% في الربع الأول من 2025، مقارنة بـ 8.7% خلال الفترة ذاتها من 2024، و11% في 2023. كما بلغت نسبة القروض المتعثرة في البنوك التجارية 1.51% بنهاية آذار، مع تفاوت كبير بين البنوك الكبرى المملوكة للدولة (1.22%) والبنوك الريفية الصغيرة (2.86%).
تفاقمت الأوضاع بسبب التخفيضات الأخيرة في الأجور بقطاعات مثل الخدمات المالية والصناعة والقطاع الحكومي، مما أثر على القدرة المالية للأسر. كما زادت الرسوم الجمركية الأمريكية من مخاوف الاستقرار الوظيفي وتراجع الدخل.
وأظهرت بيانات مركز تسجيل وتحويل الأصول الائتمانية المصرفية أن البنوك عرضت قروضاً متعثرة بقيمة 74.27 مليار يوان (10.34 مليار دولار) للبيع في الربع الأول من 2025، بزيادة 190.5% مقارنة بالربع الأول من 2024، وكانت 70% منها قروضاً شخصية.
وقال موظف قروض في أحد البنوك الحكومية: "لدينا تكدس متزايد في القروض المتعثرة، وبالنسبة للعديد من العملاء غير القادرين على السداد، فإن أقصى ما يمكننا فعله هو التفاوض على تمديد آجال السداد"، مشيراً إلى أن البنك يولي أولوية لشطب الديون المعدومة بدلاً من منح قروض جديدة.
في المقابل، أظهر استطلاع للبنك المركزي شمل 20 ألف أسرة أن 61.4% منها تخطط لزيادة مدخراتها، بارتفاع 20 نقطة مئوية عن مستويات ما قبل الجائحة. وعلق كريستوفر بيدور، نائب مدير الأبحاث في Gavekal Dragonomics، قائلاً: "المشكلة الأساسية هي أن نمو الدخل يتباطأ، والأسر تشعر بالقلق، لذا فهي تكبح إنفاقها واقتراضها. الأمر لا يتعلق بعدم توفّر قروض منخفضة الفائدة".
من جهته، رأى لين سونغ، كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في ING، أن أي تحسن استهلاكي قائم على الاقتراض سيكون "مؤقتاً"، مؤكداً أن "الاستهلاك المدفوع بنمو الدخل سيكون الخيار الأفضل لتحقيق تعافٍ اقتصادي أكثر استدامة، لكنه طريق أكثر صعوبة أمام صانعي السياسات".
وبينما لا تزال ديون الأسر الصينية عند 60% من الناتج المحلي الإجمالي (أقل من مستوياتها في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية)، يبقى التحدي الأكبر هو تسارع وتيرة القروض المتعثرة في قطاع الائتمان الاستهلاكي، مما يهدد استقرار الجهود الحكومية لتحفيز النمو.