في تصعيد لافت ضمن الحرب المستمرة بين موسكو وكييف، اندلعت حرائق غابات هائلة قرب ما يُعرف إعلاميًا بـ "قصر بوتين" المطل على البحر الأسود، وذلك إثر غارات نفذتها طائرات مسيّرة أوكرانية أسقطتها الدفاعات الجوية الروسية.
الحريق الذي امتد لمسافة أميال أثار حالة استنفار واسعة، وشارك في إخماده أكثر من 100 من فرق الطوارئ، بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك بوست الأميركية.
و وفقًا للبيانات الرسمية الروسية، اقتربت ألسنة اللهب إلى مسافة نحو 6 أميال من القصر الضخم الواقع في كيب إيدوكوباس قرب منتجع غيليندزيك، غير بعيد عن شبه جزيرة القرم.
إلا أن رواية مغايرة قدّمها الموقع الاستقصائي الروسي المستقل "آي ستوريز"، أكد فيها أن الحريق نشب على بُعد ميلين فقط من المجمع الرئاسي، ما يثير تساؤلات حول دقة المعلومات الرسمية، وحجم الخطر الذي كان يهدد المقر شديد التحصين.
وبالرغم من عدم تسجيل أي إصابات أو وفيات، إلا أن الحريق أدى إلى تقطع السبل بـ 23 سائحًا نتيجة كثافة الدخان، ما اضطر السلطات لإجلائهم عبر القوارب.
وحتى الآن، لم تُؤكد أي جهة رسمية ما إذا كان "قصر بوتين" هو الهدف المباشر لتلك الهجمات الجوية، وسط تكتم روسي ملحوظ.
* قصر بوتين : مخبأ فخم تحوّل إلى رمز للسلطة والجدل
القصر المثير للجدل، الذي تبلغ مساحته نحو 190 ألف قدم مربع، تصدّر عناوين الأخبار العالمية للمرة الأولى عام 2021، عقب نشر المعارض الروسي أليكسي نافالني فيلمًا وثائقيًا كشف فيه تفاصيل المشروع الضخم الذي تبلغ كلفته 1.5 مليار دولار، ووجّه فيه اتهامات مباشرة للرئيس فلاديمير بوتين بتمويله من خلال صفقات مشبوهة مع أثرياء مقربين من السلطة.
وبحسب الوثائقي، يضم القصر مرافق فاخرة غير مسبوقة، منها كازينو خاص، ومسرح، وحلبة هوكي، وميناء خاص، ونقطة تفتيش حدودية، فضلاً عن منطقة حظر طيران تحيط به.
وذهب نافالني إلى حد وصفه بـ "دولة داخل الدولة"، مشيرًا إلى وجود أنفاق تحت الأرض مزودة بأنظمة مياه عذبة وتهوية متقدمة، تصلح لأن تكون ملجأ محصنًا للرئيس وحلفائه في حالات الطوارئ.
و رغم نفي الكرملين آنذاك، فإن تقارير روسية مستقلة أكدت في وقت لاحق أن القصر خضع لتجديدات شاملة عام 2024، تضمنت تحويل المسرح والكازينو إلى كنيسة مزخرفة بلوحات عسكرية، ما اعتُبر انعكاسًا لشغف بوتين المتصاعد بالدين والرمزية القتالية، خاصة في ظل تصاعد التوترات مع الغرب واستمرار الحرب على أوكرانيا.
* مخاوف أمنية متزايدة لدى بوتين
وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد الهواجس الأمنية المحيطة بالرئيس الروسي، إذ أفادت تقارير سابقة أنه قام العام الماضي بإزالة فيلته الخاصة في مدينة سوتشي خوفًا من استهدافها بهجمات مماثلة.
وتُظهر هذه الإجراءات المتشددة تزايد قلق الكرملين من قدرات أوكرانيا الهجومية، خاصة بعد نجاح كييف في استخدام المسيرات في العمق الروسي.
يُذكر أن المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي كشف النقاب عن القصر، تُوفي العام الماضي أثناء احتجازه في أحد سجون سيبيريا، ما فجّر موجة جديدة من الغضب والاحتجاجات داخل روسيا وخارجها.
في الوقت الراهن، لا تزال النيران تحت السيطرة، لكن الحادثة سلطت الضوء من جديد على رمزية "قصر بوتين"، ليس فقط كرمز للثراء والسلطة، بل أيضًا كأحد أكثر المواقع تحصينًا وإثارة للجدل في روسيا المعاصرة.