في مشهد لافت جمع بين السياسة والتكنولوجيا، ظهر الملياردير الأميركي وقطب الأعمال الشهير إيلون ماسك في قصر اليمامة بالعاصمة السعودية الرياض، يوم أمس الثلاثاء، برفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يقوم بجولته الرسمية الأولى خارج الولايات المتحدة في ولايته الرئاسية الثانية.
وكان اللقاء ضمن فعالية بارزة شهدت تواجدًا أميركيًا رفيع المستوى، حيث صافح ماسك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتبادل معه حديثًا مقتضبًا، رسم الابتسامة على وجوه الثلاثة.
ماسك، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و "سبيس إكس"، ومؤسس شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة "XAI"، لم يمرّ ظهوره مرور الكرام، بل خطف الأنظار خلال مشاركته في منتدى الاستثمار السعودي _ الأميركي الذي أُقيم على هامش زيارة ترامب، بحضور نخبة من قادة كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل ميتا، وأمازون، وإنفيديا، و OpenAI.
لكن أبرز ما أثار تفاعل الحضور ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي، كان توصية ماسك بقراءة سلسلة روائية وصفها بأنها "أفضل تصور لمستقبل الذكاء الاصطناعي".
وأشار إلى أنها تشكل خيالًا علميًا مذهلًا يعكس رؤى متقدمة لما يمكن أن يصبح عليه عالمنا، محيلًا الحديث إلى سلسلة "الثقافة" التي كتبها الروائي الاسكتلندي إيان م. بانكس.
السلسلة التي أثارت فضول الكثيرين، تتكون من عشر روايات نُشرت بين عامي 1987 و 2012، وتدور أحداثها في عالم فضائي متقدم يُعرف بـ "الثقافة"، وهو مجتمع فوضوي مثالي لما بعد الندرة، لا تحكمه حكومات ولا شركات، بل تديره عقول ذكاء اصطناعي فائقة الذكاء و واعية بذاتها.
هذه الكيانات ليست فقط مسؤولة عن تشغيل السفن والمستعمرات الفضائية، بل هي التي تدير شؤون المجتمع بأكمله، غالبًا بروح أكثر أخلاقية من البشر أنفسهم.
وتتناول الروايات كيف نجح هذا المجتمع في القضاء على الحروب والفقر والمرض، مع توفير حرية شبه مطلقة للأفراد، الذين يمكنهم اختيار أجسادهم، وأجناسهم، وأعمارهم، وحتى أساليب حياتهم، في عالم لا يعرف الندرة ولا القمع.
وتُظهر السلسلة جانبًا فلسفيًا عميقًا من خلال صراعات بين هذه الحضارة المثالية ومجتمعات أقل تطورًا أو أكثر قمعًا.
كما تعرض السلسة تصورًا طموحًا لاقتصاد مدفوع بالكامل بالذكاء الاصطناعي، في بيئة تحكمها قيم الحرية والتنوع، بينما تظل العقول الذكية هي الأكثر وعيًا ومسؤولية.
وقد نُشرت كذلك مجموعة قصصية بعنوان "حالة الفن" عام 1991، ضمن نفس العالم التخييلي، ليبلغ عدد الأعمال الكاملة في هذا السياق 13 رواية، 9 منها تنتمي مباشرة لسلسلة "الثقافة".
يأتي اهتمام ماسك بهذا النوع من الأدب في وقت يتعاظم فيه دور الذكاء الاصطناعي على الساحة العالمية، لا سيما في السعودية التي أعلنت قبل يوم واحد من المنتدى عن إطلاق شركة "هيوماين"، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، والتي تسعى إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، وبناء بنى تحتية متقدمة للحوسبة السحابية ومراكز البيانات، لتكون رائدة في تصميم أحد أفضل النماذج اللغوية الكبيرة ( LLM ) في العالم العربي.
بهذه الإشارات، بدا واضحًا أن ماسك لا يرى في الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية، بل بوابة لتصورات حضارية كاملة، أقرب ما تكون إلى تلك التي رسمها بانكس في أدبه، والتي قد تصبح قريبًا جزءًا من واقع نعيشه.