وسط صمت مهيب يلف كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان، حيث احتشد الكرادلة والأساقفة وكبار رجال الدين لتوديع البابا الراحل، خطت امرأة بثبات وهدوء استثنائيين نحو النعش المسجى، مثيرة دهشة الحاضرين الذين لم يعرفوا من تكون، لكنها سرعان ما أصبحت محور همساتهم وتساؤلاتهم.
لم تكن هذه المرأة سوى الراهبة الفرنسية_الأرجنتينية جنيفييف جياننغروس، الصديقة القديمة للبابا فرنسيس، والتي سمح لها حصريًا بتجاوز بروتوكولات الفاتيكان الصارمة لإلقاء نظرة وداع شخصية على الجثمان.
كانت جنيفييف تحمل حقيبة خضراء على ظهرها، وعيناها مغرورقتان بالدموع. وعندما وصلت إلى النعش، توقفت لدقائق أطول مما يُسمح به عادة، ومررت قطعة ورقية على وجهها لتجفف دموعها في لحظة حميمة ومؤثرة.
أحد أعضاء دائرة البروتوكول رافقها بصمت إلى أقرب نقطة من النعش، في استثناء نادر للبروتوكولات التي تقصر لحظات الوداع الأولى على الشخصيات الدينية الرفيعة فقط، سواء المحلية أو الأجنبية.
لكن يبدو أن للعلاقة التي جمعتها بالبابا الراحل وقعًا خاصًا، جعل هذا الاستثناء ممكنًا.
وسائل إعلام أرجنتينية وأوروبية كشفت لاحقًا أن هذه الراهبة ليست مجرد صديقة، بل كانت شاهدة على بدايات رحلة فرنسيس، حينما كان لا يزال خورخي برغوليو، رئيس أساقفة بوينس آيرس.
صحيفة "كلارين" الأرجنتينية الواسعة الانتشار وصفت إصرارها على وداعه بأنه "رغبة عميقة في تكريم صديق قديم"، بينما نقلت صحيفة "إلباييس" الإسبانية عن مصدر أن علاقتهما تعود إلى عقود مضت، وتحديدًا إلى زمن كان فيه البابا شابًا يعمل في مختبر للكيمياء.
ما يزيد المشهد تأثيرًا هو أن جنيفييف هي ابنة أخت الراهبة الفرنسية ليوني دوكيه، التي اختفت عام 1977 خلال فترة الحكم الديكتاتوري في الأرجنتين، وعُثر على جثتها لاحقاً في مقبرة جماعية، إلى جانب رفات إيستير باليسترينو، المرأة التي كانت رئيسة لفرانسيسكو في ذلك المختبر.
تلك الخلفية المأساوية تحمل في طياتها أبعادًا إنسانية و روحية تفسر هذا الارتباط العميق بين الراهبة والبابا، وتجعل لحظة الوداع أكثر من مجرد لقاء أخير، بل استحضار لتاريخ طويل من الألم والإيمان والمقاومة.
وفيما واصلت عدسات الإعلام التقاط صور للوداع الحزين، غادرت جنيفييف الكنيسة بصمت كما دخلت، تاركة خلفها قصة استثنائية عن الصداقة والوفاء، وعن امرأة تجاوزت البروتوكول لا حبًا في الظهور، بل تكريمًا لرجل لطالما آمن بالناس واحتضن المهمشين.